كانت
ثورة حضارية ما بعدها ثورة في بلدتي ... تكنولوجيا راقية مع معاصرة للزمن
وحتى كانت مواكبة الدول المتقدّمة . اجل مرّت تلك الفترة ومن من جيلي لا
يذكرها ... عصر الطرطيرات ... وما ادراك الطرطيرة ... تكسي الحداثة كانت
هجمة غريبة وعجيبة من نوعها كل من كان لديه بعض المال المدّخر من عمله او
من زراعته قام واسرع واشترى طرطيرة .. كانت بمثابة السيارة الخاصّة امام
الدار ويتباهى مالكوها بزينتها وكتابة ما يحلو لهم ــ راجعة بأذن الله ــ
لا تلحقني مخطوبة ــ عين الحاسد تبلى بالعمى ــ على اطرافها ... والأجمل
اخترع بعض الخبراء الأرمن المحلّين طرازا من الكابينات كانت بمثابة غرفة
تركّب عليها لتحفظ السائق ومن بجانبه من المطر في الشتاء ومن الشمس في
الصيف هذا طبعا مع الراديو والمسجّلة والصوت العالي .
ووصلت ايّامها
الى ان كانت أغلب الأعراس تزف بواسطة هذه الطرطيرات وكنا نرى قافلة منها
وارتال تجوب شوارعنا وهي قادمة من القرى القريبة المحيطة بالقامشلي وتقوم
بجولة في احياءنا القديمة ثم تعود الى قراها وكأنها قامت بزيارة للعروس الى
امارة موناكــــو .
وصديقنا معصوم الكردي قتّر على نفسه وخضع الى
برنامج تقشّفي ليشتري احداها ـــ اي طرطيرة ــ ليتباهى بين جيرانه ومعارفه .
وخصوصا انه لديه الكثير من الأصدقاء في البلد ويقضي اغلب اوقاته بينهم
ولذلك اجبرته علاقاته الأجتماعية ان يكون احد ملاّكي تلك الماكينات العجيبة
والتي لا يفقه من تقنيّتها او انها كيف تسير وكيف تدار او تصان البتّة .
المهم أخضع نفسه فترة نصف ساعة وقف عند صديقه الميكانيكي الأرمني ــ
انترانيك ــ متفرّجا على احداها وكيف تدار وكيف يعطيها بنزين وكيف يغيّر
السرعات وتلك كانت دورته التدريبية الخاصة لسواقة هذا المخلوق العجيب ــ
الطرطيرة ــ .
ومن يومها لم يعد معصوم افندي يبقى في القرية كما كان
سابقا بل تراه اغلب الأحيان في القامشلي ينقل الخضرة والماشية والأعراس
فتراه يملأه من المعازيم ومناديلهم الملوّنة بأيديهم وهو يتبختر في تلك
الشوارع .
وفي احدى الجولات السياحية له وهو ينعطف يمينا مفاخرا وليظهر
للجميع مدى خبرته في قيادة هذه الآلة العجيبة ... تعطّلت ولم تعد تتحرّك .
نزل وانزل الجماهير الراكبين ودفشوها ولكن دون جدوى ولم يفتل اي دولاب مما
اجبرته الحالة ان يجرّها بآلية الى صديقه انترانيك الأرمني لأصلاحها ..
وكون البارون الأرمني ممن ينفرد بنباهته الميكانيكية .. لمس انترانيك
الموتور وحاول تشغيله ولكن لم يستطع علم مباشرة ان هناك حالة اختناق
للبنزين وعليه تنفيس مجرى البنزين وتلك كانت الأعطال عمل لم يستغرق لحظات
على خبيرنا انترانيك .
وعند الحساب حاول المستحيل معصوم ان يعطي رفيقه
ثمن اتعابه رفض والف قائلا .. ما في شي بسيطة كان .. ومعصوم يؤكّد عليه
انها كانت معطّلة ويجب ان اعرف ما العطل ؟؟؟ وصديقه الأرمني يرد عليه قائلا
مافي شي ما في شي بســـيطة كان بســـيطة كان . ومن شدّة ذكاء معصوم علم
بنباهته ان العطل كان قطعة بسيطة .
شاع الخبر في القرية بأجمعها بأن
طرطيرة معصوم قد تعطّلت وقد اخذها للتصليح فاجتمعوا امام دارته ينتظرون
قدومه مع المحروسة فلعلّه يحتاج لمال او مساعدة ما .
عاد صاحبنا معصوم
عند المساء وهو مسرور وفرحان ويسمع شريط محمد عارف في المسجلّة ولا تسعه
الدنيا من شدّة فرحه وخاصة ان صديقه البارع انترانيك أصلح هذا العطل
المعقّد الفني في الطرطيرة . وما ان وصل الى داره وخمد عامود الغبار
المرافق له حتى فاجأوه الجيران والمعارف والكل يسأله عن العطل ومدى تأثيره
على مستقبل التكسي وكم اخذ المصلّح وصاحبنا يجيب على اسئلتهم باسهاب وعندما
يصل الى العطل يقول لهم مفاخرا ..
تصوّروا ان بسيطة الموتور ذات نفسها تعطّلت .
اجل الخبرة الميكانيكية لا ولن يعلو عليها .... ليس من السهل تصليح بســــيطة اي آلية شكرا تقبلو مني فائق الاحترام و شكرا