هل الهلال فكيف ضل الساري؟ وعلام تزيد حيرة المحتار؟
ضحك الطريق لسالكيه فقل لمن يلوي خطاه عن الطريق حذار!
وتنفس الصبح الوضيء فلا تسل عن فرحة الأغصان والأشجار
غنت بواكير الصباح فحركت شجو الطيور ولهفة الأزهار
غنت فمكة وجهها متألق أملا، ووجه طغاتها متواري
هل الهلال فلا العيون ترددت فيما رأته ولا العقول تماري
والجاهلية قد بنت أسوارها دون الهدى، فانظر إلى الأسوار
واقرأ عليها سورة الفتح التي نزلت، ولا تركن إلى الكفار
أوما ترى البطحاء تفتح قلبها فرحا بمقدم سيد الأبرار؟
عطشى يلمظها الحنين، ولم تزل تهفو إلى غيث الهدى المدرار
ماذا ترى الصحراء في جنح الدجى؟ هي لا ترى إلا الضياء الساري
وترى على طيف المسافر هالة بيضاء، تسرق لهفة الأنظار
وترى عناقيد الضياء، ولوحة خضراء، قد عرضت بغير إطار
هي لا ترى إلا طلوع البدر في غسق الدجى، وسعادة الأنصار
مازلت أسمعها تصوغ سؤالها بعبارة تخلو من التكرار
هل يستطيع الليل أن يبقى إذا ألقى الصباح قصيدة الأنوار
ماذا يقول للاتهم ومناتهم؟ ماذا يقول لطغمة الكفار؟
ماذا يقول ولم يزل متحفزا متطلعا لخبيئة الأقدار؟
طب يا حراء، فلليتيم حكاية نسجت، ومنك بداية المشوار
أو ما تراه يجيء نحوك عابدا متبتلا للواحد القهار؟
أو ما ترى في الليل فيض دموعه؟ أو ما ترى نجواه في الأسحار؟
أسمعت شيئا يا حراء عن الفتى؟ أقرأت عنه دفاتر الأخيار؟
طب يا حراء، فأنت أول بقعة في الأرض، سوف تفيض بالأسرار
طب يا حراء، فأنت شاطئ مركب مازال يرسم لوحة الإبحار
ماجت بحار الكفر حين جرى على أمواجها الرعناء في إصرار
وتساءل الكفار حين بدت لهم في ظلمة الأهواء شمعة ساري:
من ذلك الآتي يمد لليلنا قبسا سيكشف عن خبايا الدار؟
من ذلك الآتي يزلزل ملكنا ويرى عبيد القوم كالأحرار؟!
ماباله يتلو كلاما ساحرا يغري، ويلقي خطبة استنفار؟
ماباله يقسو على أصنامنا باللوم، بالتسفيه، بالإنكار؟
هذا محمد ياقريش، كأنكم لم تعرفوه بعفة ووقار!!
هذا الأمين، أتجهلون نقاءه وصفاءه، ووفاءه للجار؟
هذا الصدوق تطهرت أعماقه فأتى ليرفعكم عن الأقذار
طب يا حراء، فأنت أول ساحة ستلين فيها قسوة الأحجار
سترى توهج لحظة الوحي الذي سيفيض بالتبشير والإنذار
(اقرأ) ألم تسمع أمين الوحي إذ نادى الرسول، فقال:لست بقاري
(اقرأ) فديتك يامحمد عندما واجهت هذا الأمر باستفسار
وفديت صوتك عندما رددتها آيا من القرآن باسم الباري
وفديت صوتك خائفا متهدجا تدعو خديجة:أسرعي بدثار
وفديت صوتك ناطقا بالحق لم يمنعك ما لاقيت من إنكار
وفديت زهدك في مباهج عيشهم وخلو قلبك من هوى الدينار
يا سيد الأبرار حبك دوحة في خاطري صداحة الأطيار
والشوق ماهذا بشوق إنه في قلبي الولهان جذوة نار!!
حاولت إعطاء المشاعر صورة فتهيبت من وصفها أشعاري
ماذا يقول الشعر عن بدر الدجى؟ لما يضيء مجالس السمار؟
يا سيد الأبرار أمتك التي حررتها من قبضة الأشرار
وغسلت من درن الرذيلة ثوبها وصرفت عنها قسوة الإعصار
ورفعت بالقرآن قدر رجالها وسقيتها بالحب والإيثار
يا سيد الأبرار أمتك التوت في عصرنا ومضت مع التيار
شربت كؤوس الذل حين تعلقت بثقافة مسمومة الأفكار!
إني أراها وهي تسحب ثوبها مخدوعة في قبضة السمسار
إني أراها تستطيب خضوعها وتلين للرهبان والأحبار
إني أرى فيها ملامح خطة للمعتدين، غريبة الأطوار
إني أرى بدع الموالد أصبحت داء يهدد منهج الأخيار
وأرى القباب على القبور تطاولت تغري العيون بفنها المعماري
يتبركون بها تبرك جاهل أعمى البصيرة، فاقد الإبصار
فرق مضللة تجسد حبها للمصطفى بالشطح والمزمار
كبرت دوائر حزننا وتعاظمت في عالم أضحى بغير قرار
إني أقول لمن يخادع نفسه ويعيش تحت سنابك الأوزار:
سل أيها المخدوع طيبة عندما بلغت مداها ناقة المختار
سل صوتها لما تعالى هاتفا وشدا بألف قصيدة استبشار
سل عن حنين الجذع في محرابه وعن الحصى في لحظة استغفار
سل صحبة الصديق وهو أنيسه في دربه ورفيقه في الغار
سل حمزة الأسد الهصور فعنده خبر عن الجنات والأنهار
سل وجه حنظلة الغسيل فربما أفضى إليك الوجه بالأسرار
سل مصعبا لما تقاصر ثوبه عن جسمه ومضى بنصف إزار
سل في رياض الجنة ابن رواحة واسأل جناحي جعفر الطيار!
سل كل من رفعوا شعار عقيدة وبها اغتنوا عن رفع كل شعار
سلهم عن الحب الصحيح ووصفه فلسوف تسمع صادق الأخبار
حب الرسول تمسك بشريعة غراء في الإعلان والإسرار
حب الرسول تعلق بصفاته وتخلق بخلائق الأطهار
حب الرسول حقيقة يحيا بها قلب التقي، عميقة الآثار
إحياء سنته إقامة شرعه في الأرض، دفع الشك بالإقرار
إحياء سنته، حقيقة حبه في القلب، في الكلمات، في الأفكار
يا سيد الأبرار حبك في دمي نهر على أرض الصبابة جاري
يا من تركت لنا المحجة، نبعها نبع اليقين، وليلها كنهار
سحب من الإيمان تنعش أرضنا بالغيث حين تخلف الأمطار
لك يا نبي الله في أعماقنا قمم من الإجلال والإكبار
عهد علينا أن نصون عقولنا عن وهم مبتدع وظن مماري
علمتنا معنى الولاء لربنا والصبر عند تزاحم الأخطار
ورسمت للتوحيد أكمل صورة نفضت عن الأذهان كل غبار
فرجاؤنا ودعاؤنا ويقيننا وولاؤنا للواحد القهار