ذكر ما يتعلق بخلق السموات وما فيهن من الآيات@ قد قدمنا أن خلق
الأرض قبل خلق السماء كما قال تعالى ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى
إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم ) وقال تعالى ( قل أئنكم لتكفرون
بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من
فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى
السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن
سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك
تقدير العزيز العليم ) وقال تعالى ( أأنتم أشد خلق أم السماء بناها رفع سمكها
فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها ) فإن الدحى غير الخلق وهو
بعد خلق السماء وقال تعالى ( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق
الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور الذي خلق سبع سموات طباقا
ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين
ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما
للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير )وقال تعالى ( وبنينا فوقكم سبعا شدادا وجعلنا
سراجا وهاجا ) وقال تعالى ( ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا وجعل القمر
فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ) وقال تعالى ( الله الذي خلق سبع سموات والأرض مثلهن
يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما
) وقال تعالى ( تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا وهو
الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ) وقال تعالى ( إنا
زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملأ
الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب
ثاقب ) وقال تعالى ( ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل
شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين ) وقال تعالى ( والسماء بنيناها
بايد وانا لموسعون ) وقال تعالى ( وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون
وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ) وقال تعالى ( وآية
لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير
العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن
تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ) وقال تعالى ( فالق الإصباح
وجعلى الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم وهو الذي جعل لكم
النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون ) وقال
تعالى ( إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش
يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق
والأمر تبارك الله رب العالمين ) والآيات في هذا كثيرة جدا وقد تكلمنا على كل منها
في التفسير
والمقصود أنه تعالى يخبر عن خلق السموات وعظمة اتساعها
وارتفاعها وأنها في غاية الحسن والبهاء
والكمال والسناء كما قال تعالى ( والسماء ذات الحبك ) أي الخلق الحسن وقال تعالى (
فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير
) أي خاسئا عن أن يرى فيها نقصا أو خللا وهو حسير أي كليل ضعيف ولو نظر حتى يعي
ويكل ويضعف لما اطلع على نقص فيها ولا عيب لأنه تعالى قد أحكم خلقها وزين بالكواكب
أفقها كما قال ( والسماء ذات البروج ) أي النجوم وقيل محال الحرس التي يرمي منها
بالشهب لمسترق السمع ولا منافاة بين القولين وقال تعالى ( ولقد جعلنا في السماء
بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم ) فذكر أنه زين منظرها بالكواكب
الثوابت والسيارات الشمس والقمر والنجوم الزاهرات وأنه صان حوزتها عن حلول
الشياطين بها وهذا زينة معنى فقال وحفظناها من كل شيطان رجيم كما قال ( إنا زينا
السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ) .
قال البخاري في كتاب بدء الخلق وقال قتادة ( ولقد زينا
السماء الدنيا بمصابيح ) خلق هذه النجوم الثلاث جعلها زينة للسماء ورجوما للشياطين
وعلامات يهتدى بها فمن تأول بغير ذلك فقد أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به
وهذا الذي قاله قتادة مصرح به في قوله تعالى ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح
وجعلناها رجوما للشياطين ) وقال تعالى ( وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في
ظلمات البر والبحر ) فمن تكلف غير هذه الثلاث أي من علم أحكام ما تدل عليه حركاتها
ومقارناتها في سيرها وأن ذلك يدل على حوادث أرضيه فقد أخطأ وذلك أن أكثر كلامهم في
هذا الباب ليس فيه الا حدس وظنون كاذبة ودعاوي باطلة وذكر تعالى أنه خلق سبع سموات
طباقا أي واحدة فوق واحدة واختلف أصحاب الهيئة هل هن متراكمات أو متفاصلات بينهن
خلاء على قولين والصحيح الثاني لما قدمنا من حديث عبدالله بن عميرة عن الأحنف عن
العباس في حديث الأوعال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتدرون كم بين السماء
والأرض قلنا الله ورسوله أعلم قال بينهما مسيرة خمسمائة عام ومن كل سماء إلى سماء
خمسمائة سنة وكثف كل سماء خمسمائة سنة الحديث بتمامه رواه أحمد وأبو داود وابن
ماجه والترمذي وحسنه وفي الصحيحين من حديث أنس في حديث الإسراء قال فيه ووجد في
السماء الدنيا آدم فقال له جبريل هذا أبوك آدم فسلم عليه فرد عليه السلام وقال
مرحبا وأهلا بابني نعم الابن أنت إلى أن قال ثم عرج إلى السماء الثانية وكذا ذكر
في الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة فدل على التفاصل بينها لقوله ثم
عرج بنا حتى أتينا السماء الثانية فاستفتح فقيل من هذا الحديث وهذا يدل على ما
قلناه والله أعلم
وقد حكى ابن حزم وابن المنير وأبو الفرج ابن الجوزي
وغير واحد من العلماء الإجماع على أن السموات كرة مستديرة واستدل على ذلك بقوله كل
في فلك يسبحون قال الحسن يدورون وقال ابن عباس في فلكة مثل فلكة المغزل قالوا ويدل
على ذلك أن الشمس تغرب كل ليلة من المغرب ثم تطلع في آخرها من المشرق كما قال أمية
ابن أبي الصلت .
والشمس تطلع كل آخر ليلة حمراء مطلع لونها متورد تأبي
فلا تبدو لنا في رسلها إلا معذبه والا تجلد فأما الحديث الذي رواه البخاري حيث قال
حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس تدري أين تذهب قلت
الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن
تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من
مغربها فذلك قوله تعالى ( والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ) .