أبي هريرة وأبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ما اجتمع قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم
السكينة وذكرهم الله فيمن عنده وكذا رواه أيضا من حديث إسرائيل وسفيان الثوري
وشعبة عن أبي إسحاق به نحوه ورواه مسلم من حديث شعبة والترمذي من حديث الثوري وقال
حسن صحيح ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يحيى بن آدم عن عمار بن زريق
عن أبي إسحاق بإسناد نحوه وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة وفي مسند الإمام أحمد
والسنن عن أبي الدرداء مرفوعا وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع
أي تتواضع له كما قال تعالى واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقال تعالى واخفض
جناحك لمن اتبعك من المؤمنين وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع عن سفيان عن عبدالله بن
السائب عن زاذان عن عبدالله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن لله
ملائكة سياحين في الأرض ليبلغوني عن أمتي السلام وهكذا رواه النسائي من حديث سفيان
الثوري وسليمان الأعمش كلاهما عن عبدالله بن السائب به وقال الإمام أحمد حدثنا
عبدالرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم
وهكذا رواه مسلم عن محمد بن رافع وعبدة بن حميد كلاهما عن عبدالرزاق به والأحاديث
في ذكر الملائكة كثيرة جدا وقد ذكرنا ما يسره الله تعالى وله الحمد
*2* فصل وقد اختلف
الناس في تفضيل الملائكة على البشر على أقوال
@ فأكثر ما توجد هذه
المسئلة في كتب المتكلمين والخلاف فيها مع المعتزلة ومن وافقهم وأقدم كلام رأيته
في هذه المسئلة ما ذكره الحافظ بن عساكر في تاريخه في ترجمة أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص أنه حضر مجلسا لعمر بن
عبدالعزيز وعنده جماعة فقال عمر ما أحد أكرم على الله من كريم بني آدم واستدل
بقوله تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ووافقه على ذلك
أمية بن عمرو بن سعيد فقال عراك بن
مالك ما أحد أكرم على الله من ملائكته هم خدمة داريه ورسله إلى أنبيائه واستدل
بقوله تعالى ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من
الخالدين فقال عمر بن عبدالعزيز لمحمد بن كعب القرظي ما تقول أنت يا أبا حمزة فقال
قد أكرم الله آدم فخلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة وجعل من ذريته
الأنبياء والرسل ومن يزوره الملائكة فوافق عمر بن عبدالعزيز في الحكم واستدل بغير
دليله وأضعف دلالة ما صرح به من الآية وهو قوله إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات
مضمونة أنها ليست بخاصة بالبشر فإن الله قد وصف الملائكة بالإيمان في
قوله ويؤمنون به وكذلك الجان وانا لما سمعنا الهدي
آمنا به وانا منا المسلمون قلت وأحسن ما يستدل به في هذه المسئلة ما رواه عثمان بن
سعيد الدارمي عن عبدالله بن عمرو
مرفوعا وهو أصح قال لما خلق الله الجنة قالت الملائكة يا ربنا اجعل لنا هذه نأكل
منها ونشرب فإنك خلقت الدنيا لبني آدم فقال الله لن أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي
كمن قلت له كن فكان
*2* باب خلق الجان
وقصة الشيطان
@ قال الله تعالى خلق
الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار فبأي آلاء ربكما تكذبان وقال
تعالى ولقد خلقناالإنسان من صلصال من حمأ مسنون والجان خلقناه من قبل من نار
السموم وقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن وغير واحد من مارج من نار قالوا من طرف
اللهب وفي رواية من خالصه وأحسنه وقد ذكرنا آنفا من طريق الزهري عن عروة عن عائشة
قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من نار
وخلق آدم مما وصف لكم رواه مسلم قال كثير من علماء التفسير خلقت الجن قبل آدم عليه
السلام وكان قبلهم في الأرض الحن والبن فسلط الله الجن عليهم فقتلوهم وأجلوهم عنها
وأبادوهم منها وسكنوها بعدهم وذكر السدي في تفسيره عن أبي مالك عن أبي صالح عن ابن
عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ
الله من خلق ما أحب استوى على العرش فجعل إبليس على ملك الدنيا وكان من قبيلة من
الملائكة يقال لهم الجن وإنما سموا الجن لأنهم خزان الجنة وكان إبليس مع ملكه
خازنا فوقع في صدره إنما أعطاني الله هذا لمزية لي على الملائكة وذكر الضحاك عن
ابن عباس أن الجن لما أفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء بعث الله إليهم إبليس ومعه
جند من الملائكة فقتلوهم وأجلوهم عن الأرض إلى جزائر البحور
وقال محمد بن إسحاق عن خلاد عن عطاء عن طاوس عن ابن
عباس كان اسم إبليس قبل أن يرتكب المعصية عزازيل وكان من سكان الأرض ومن أشد
الملائكة اجتهادا وأكثرهم علما وكان من حي يقال لهم الجن وروى ابن أبي حاتم عن
سعيد بن جبير عنه كان اسمه عزازيل وكان من أشرف الملائكة من أولى الأجنحة الأربعة
وقد أسند عن حجاج عن ابن جريج قال ابن عباس كان إبليس من أشرف الملائكة وأكرمهم
قبيلة وكان خازنا على الجنان وكان له سلطان سماء الدنيا وكان له سلطان الأرض وقال
صالح مولى التوأمة عن ابن عباس كان يسوس ما بين السماء والأرض رواه ابن جرير وقال
قتادة عن سعيد بن المسيب كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا وقال الحسن البصري لم
يكن من الملائكة طرفة عين وانه لأصل الجن كما أن آدم أصل البشر وقال شهر ابن حوشب
وغيره كان ابليس من الجن الذين طردوهم الملائكة فأسره بعضهم وذهب به إلى السماء
رواه ابن جرير قالوا فلما
أراد الله خلق آدم ليكون في الأرض هو وذريته من بعده
وصور جثته منها جعل إبليس وهو رئيس الجان وأكثرهم عبادة إذ ذاك وكان اسمه عزازيل
يطيف به فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك وقال أما لئن سلطت عليك لأهلكنك ولئن
سلطت علي لأعصينك فلما أن نفخ الله في آدم من روحه كما سيأتي وأمر الملائكة
بالسجود له دخل ابليس منه حسد عظيم وامتنع من السجود له وقال أنا خير منه خلقتني
من نار وخلقته من طين فخالف الأمر واعترض على الرب عز وجل وأخطأ في قوله وابتعد من
رحمة ربه وأنزل من مرتبته التي كان قد نالها بعبادته وكان قد تشبه بالملائكة ولم
يكن من جنسهم لأنه مخلوق من نار وهم من نور فخانه طبعه في أحوج ما كان إليه ورجع
إلى أصله النار فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين وقال
تعالى وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا ابليس كان من الجن ففسق عن أمر
ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا