اشراط الساعة الكبرى [ مقدمة ]
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
انتهينا من أقسام أشراط الساعة الصغرى .. وهي التي تتقدم الساعة بأزمان متطاولة ، وتكون من نوع المعتاد كقبض العلم ، وظهور الجهل ، وشرب الخمر ، والتطاول في البنيان ... ونحوها ، وقد يظهر بعضها مصاحباً للأشراط الكبرى ، أو بعدها .
وسنبدأ بإذن الله في الأشراط الكبرى ، وهي الأمور العظام التي تظهر قرب قيام الساعة ، وتكون غير معتادة الوقوع ، كظهور الدجال ، ونزول عيسى عليه السلام ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وطلوع الشمس من مغربها .
وقسم بعض العلماء أشراط الساعة من حيث ظهورها إلى ثلاثة أقسام :
1 ـ قسم ظهر وانقضى [ تم شرحه بالتفصيل ] .
2 ـ قسم ظهر ولا زال يتتابع ويكثر [ وتم شرحه بالتفصيل ] .
3 ـ قسم لم يظهر إلى الآن .
فأما القسمان الأولان ، فهما من أشراط الساعة الصغرى ، وأما القسم الثالث ، فيشتركـ فيه الأشراط الكبرى ، وبعض الأشراط الصغرى .
أشراط الساعة الكبرى
أولاً : ترتيب أشراط الساعة الكبرى
لا يوجد نصاً صريحاً يُبين ترتيب أشراط الساعة الكبرى حسب وقوعها ، وإنما جاء ذكرها في الأحاديث مجتمعة بدون ترتيب ، إذ كان ترتيبها في الذكر لا يقتضي ترتيبها في الوقوع ، فقد جاء العطف فيها بالواو ، وذلكـ لا يقتضي الترتيب .
ومن النصوص ما خالف ترتيبها فيه ترتيبها في نص آخر .
ولكي يتبين هذا ، فسأذكر نماذج من ذلكـ بذكر بعض الأحاديث التي تعرضت لذكر الأشراط الكبرى جملة أو ذكر بعضها :
1 ـ روى الإمام مسلم عن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه ، قال : اطّلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر ، فقال : ( ما تذاكرون ) ؟ قالوا : نذكر الساعة . قال : ( إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات ) ، فذكر : الدخان ، والدجال ، والدابة ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم ، ويأجوج ومأجوج ، وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وآخر ذلكـ نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم ) .
وروى مسلم هذا الحديث عن حذيفة بن أُسيد بلفظ آخر ، وهو : ( إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، والدخان ، والدجال ، ودابة الأرض ، ويأجوج ومأجوج ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونار تخرج من قعرة عدن ترحل الناس ) .
وفي رواية : ( والعاشرة : نزول عيسى بن مريم ) .
فهذا حديث واحد عن صحابي واحد جاء بلفظين مختلفين في ترتيب الأشراط .
2 ـ وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( بادروا بالأعمال ستاً : طلوع الشمس من مغربها ، أو الدخان ، أو الدجال ، أو الدابة ، أو خاصة أحدكم ، أو أمر العامة ) .
وروى مسلم هذا الحديث عن أبي هريرة بلفظ آخر : ( بادروا بالأعمال ستاً : الدجال ، والدخان ، ودابة الأرض ، وطلوع الشمس من مغربها ، وأمر العامة ، وخويصّة أحدكم ) .
وهذا أيضاً حديث واحد عن صحابي واحد جاء بلفظين مختلفين في ترتيب بعض الأشراط وفي أداة العطف ، حيث جاء مرة بـ ( أو ) والأخرى بـ ( الواو ) ، وهما لا يدلان على الترتيب .
والذي يمكن معرفته هو ترتيب بعض الأشراط من خلال حدوث بعضها إثر بعض ، كما ورد في بعض الروايات .. كما سيأتي لاحقاً بإذن الله .. كخروج الدجال على الناس ، ثم نزول عيسى عليه السلام لقتله ، ثم خروج يأجوج ومأجوج في زمن عيسى عليه السلام ، وذكر دعاءه عليهم بالهلاكـ .
وكذلكـ جاء في بعض الروايات أن أول الآيات كذا ، وفي بعضها آخر الآيات كذا ، ومع هذا فإن هناكـ اختلافاً في هذه الأولية بين العلماء ، وهذا الاختلاف موجود من عصر الصحابة رضي الله عنهم ..
وجمع ابن حجر بين أولية الدجال وأولية طلوع الشمس من مغربها ، فقال : [ الذي يترجح من مجموع الأخبار أن خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض ، وينتهي ذلكـ بموت عيسى عليه السلام ، وأن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي ، وينتهي ذلكـ بقيام الساعة ، ولعل خروج الدابة يقع في ذلكـ اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب ] .
ثم قال : [ والحكمة في ذلكـ أنه عند طلوع الشمس من المغرب يُغلق باب التوبة ، فتخرج الدابة ، تُميز المؤمن من الكافر ، تكميلاً للمقصود من إغلاق باب التوبة ، وأول الآيات المؤذنة بقيام الساعة النار التي تحشر الناس ] .
ويرى ابن كثير أن خروج الدابة هو أول الآيات الأرضية التي ليست بمألوفة ، فإن الدابة التي تكلم الناس وتعيّن المؤمن من الكافر أمر مخالف للعادة المستقرة .
وأما طلوع الشمس من مغربها ، فهو أمر باهر جداً ، وذلكـ أول الآيات السماوية .
أما ظهور الدجال ونزول عيسى عليه السلام من السماء ، وخروج يأجوج ومأجوج ، فإنهم وإن كان ظهورهم قبل طلوع الشمس من مغربها ، وقبل ظهور الدابة ، إلا أنهم بشر ، مشاهدتهم وأمثالهم من الأمور المألوفة ، بخلاف ظهور الدابة وطلوع الشمس من مغربها ، فهو ليس من الأمور المألوفة .
والذي يظهر عليه أن المعوًّل عليه ما ذهب إليه ابن حجر ، فإن خروج الدجال من حيث كونه بشراً ليس هو الآية ، وإنما الآية خروجه في حالته التي هو عليها من حيث كونه بشراً ، ومع ذلكـ يأمر السماء أن تُمطر ، فتُمطر ، الأرض أن تُنبت ، فتنبت ، ويكون معه كذا وكذا مما ليس مألوفاً ، كما سيأتي في الكلام على الدجال .
فالدجال في الحقيقة هو أول الآيات الأرضية التي ليست بمألوفة .
قال الطيبي : [ الآيات أمارات للساعة ، إما على قربها ، وإما على حصولها ، فمن الأول : الدجال ، ونزول عيسى ، ويأجوج ومأجوج ، والخسف . ومن الثاني : الدُخان ، وطلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدابة ، والنار التي تحشر الناس ] .هذا التقسيم الذي ذهب إليه الطيبي تقسيم حسن ودقيق ، فإنه إذا خرج القسم الأول الدال على قرب الساعة قرباً شديداً ، كان فيه إيقاظ للناس ليتوبوا ويرجعوا إلى ربهم ، ولم يكن هنالكـ تمييز بين المؤمن والكافر .
وأما إذا ظهر القسم الثاني ـ الدال على حصول الساعة ـ فإن الناس يتميزون إلى مؤمن وكافر ، كما سيأتي أنه عند ظهور الدخان يصيب المؤمن كهيئة الزكام ، والكافر ينتفخ من ذلكـ الدخان ، ثم تطلع الشمس من مغربها ، فيُقفل باب التوبة ، فلا ينفع الكافر إيمانه ، ولا التائب توبته ، ثم تظهر بعد ذلكـ الدابة ، فتميز بين الناس ، فيُعرف الكافر من المؤمن ، لأنها تسم المؤمن ، وتخطم الكافر كما سيأتي ذكر ذلكـ ، ثم يكون آخر ذلكـ ظهور النار التي تحشر الناس .
وقبل ذكر هذه العلامات الكبرى سنبدأ بالمهدي ، لأن ظهوره يكون سابقاً لهذه العلامات ، فهو الذي سيجتمع عليه المؤمنون لقتال الدجال ، ثم ينزل عيسى عليه السلام ، ويصلي خلفه ، كما سيأتي ذكر ذلكـ إن شاء الله تعالى .
ثانياً : تتابع ظهور الأشراط الكبرى
إذا ظهر أول علامات الساعة الكبرى ، تتابعت الآيات كتتابع الخرز في النظام ، يتبع بعضها بعضاً .
روى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خروج الآيات بعضها إثر بعض ، يتتابعن كما تتابع الخرز في النظام ) .
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الآيات خرزات منظومات في سلكـ ، فإن يُقطع السلكـ ، يتبع بعضها بعضاً ) .
وبعض الأحاديث ذكرت أن بعض هذه العلامات تظهر في زمن متقارب
فإن أول العلامات الكبرى بعد المهدي ظهور الدجال ، ثم نزول عيسى عليه السلام لقتله ، ثم ظهور يأجوج ومأجوج ، ودعاء عيسى عليه السلام عليهم ، فيهلكهم الله ، ثم قال عيسى عليه السلام : ( ففيما عهد إليّ ربي عز وجل أن ذلكـ إذا كان كذلكـ ، فإن الساعة كالحامل المُتم التي لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادها ليلاً أو نهاراً ) .
وهذا دليل على قرب الساعة قرباً شديداً ، فإن بين موت عيسى عليه السلام ، وقيام الساعة شيء من العلامات الكبرى ، كطلوع الشمس من مغربها ، وظهور الدابة ، والدخان ، وخروج النار التي تحشر الناس .
فهذه العلامات تقع في وقت قصير جداً قبل قيام الساعة ، مثلها كمثل العقد الذي انفرط نظامه ، والله أعلم .
قال ابن حجر : [ وقد ثبت أن الآيات العظام مثل السلكـ ، إذا انقطع ، تناثر الخرز بسرعة ] .
الأشراط الكبرى
المهدي
المسيح الدجال
نزول عيسى عليه السلام
يأجوج ومأجوج
الخسوفات الثلاثة
الدُخان
طلوع الشمس من مغربها
الدابة
النار التي تحشر الناس .
وسأذكرها بإذن الله بالتفصيل في الأجزاء القادمة .