وقال الإمام أحمد حدثنا ابن نمير ويزيد أنبأنا محمد بن
عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم فجرت أربعة أنهار من الجنة الفرات والنيل وسيحان
وجيحان وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وكأن المراد والله أعلم من هذا أن هذه
الأنهار تشبه أنهار الجنة في صفائها وعذوبتها وجريانها ومن جنس تلك في هذه الصفات
ونحوها كما قال في الحديث الآخر الذي رواه الترمذي وصححه من طريق سعيد بن عامر عن
محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العجوة من الجنة وفيها شفاء من السم أي تشبه
ثمر الجنة لا أنها مجتناة من الجنة فإن الحس يشهد بخلاف ذلك فتعين أن المراد غيره
وكذا قوله صلى الله عليه وسلم الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء وكذا قوله إذا
اشتد الحمى فأبردوها بالماء فإن شدة الحر من فيح جهنم وهكذا هذه الأنهار أصل
منبعها مشاهد من الأرض .
أما النيل وهو النهر الذي ليس في أنهار الدنيا له نظير
في خفته ولطافته وبعد مسراه فيما بين مبتداه إلى منتهاه فمبتداه من الجبال القمر
أي البيض ومنهم من يقول جبال القمر بالإضافة إلى الكواكب وهي في غربي الأرض وراء
خط الإستواء إلى الجانب الجنوبي ويقال أنها حمر ينبع من بينها عيون ثم يجتمع من
عشر مسيلات متباعدة ثم يجتمع كل خمسة منها في بحر ثم يخرج منها أنهار ستة ثم يجتمع
كلها في بحيرة أخرى ثم يخرج منها نهر واحد هو النيل فيمر على بلاد السودان الحبشة
ثم على النوبة ومدينتها العظمى دمقلة ثم على أسوان ثم يفد على ديار مصر وقد تحمل
إليها من بلاد الحبشة زيادات أمطارها واجترف من ترابها وهي محتاجة إليهما معا لأن
مطرها قليل لا يكفي زروعها وأشجارها وتربتها رمال لا تنبت شيئا حتى يجيء النيل
بزيادته وطينه فينبت فيه ما يحتاجون إليه وهي من أحق الأراضي بدخولها في قوله
تعالى أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم
وأنفسهم أفلا يبصرون ثم يجاوز النيل مصر قليلا فيفترق شطرين عند قرية على شاطئه
يقال لها شطنوف فيمر الغربي على رشيد ويصب في البحر المالح وأما الشرقي فتفترق
أيضا عند جوجر فرقتين تمر الغربية منهما على دمياط من غربيها ويصب في البحر
والشرقية منهما تمر على أشمون طناح فيصب هناك في بحيرة شرقي دمياط يقال لها بحيرة
تنيس وبحيرة دمياط وهذا بعد عظيم فيما بين مبتداه إلى منتهاه ولهذا كان ألطف
المياه قال ابن سينا له خصوصيات دون مياه سائر الأرض فمنها أنه أبعدها مسافة من
مجراه إلى أقصاه ومنها أنه يجري على صخور ورمال ليس فيه خز ولا طحلب ولا أوحال
ومنها أنه لا يخضر فيه حجر ولا حصاة وما ذاك إلا لصحة مزاجه وحلاوته ولطافته ومنها
أن زيادته في أيام نقصان سائر الأنهار ونقصانه في أيام زيادتها وكثرتها وأما ما
يذكره بعضهم من ان أصل منبع النيل من مكان مرتفع اطلع عليه بعض الناس فرأى هناك
هولا عظيما وجواري حسانا وأشياء غريبة وأن الذي اطلع على ذلك لا يمكنه الكلام بعد
هذا فهو من خرافات المؤرخين وهذيانات الأفاكين .
وقد قال عبدالله بن لهيعة عن قيس بن الحجاج عمن
حدثه قال لما فتح عمرو بن عاص مصر أتى
أهلها إليه حين دخل شهر بؤنة من أشهر العجم القبطية فقالوا يا أيها الأمير إن
لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها فقال لهم وما ذاك قالوا إذا كان لثنتي عشرة ليلة
خلت من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فارضينا أبويها وجعلنا عليها من
الجلى والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في هذا النيل فقال لهم عمرو أن هذا لا يكون في الإسلام وأن الإسلام يهدم ما
قبله فأقاموا بؤنة والنيل لا يجري لا قليلا ولا كثيرا وفي رواية فأقاموا بؤنة
وأبيب ومسرى وهو لا يجري حتى هموا بالجلاء فكتب عمرو
إلى عمر بن الخطاب بذلك فكتب إليه عمر إنك قد أصبت بالذي فعلت وإني قد بعثت إليك
بطاقة داخل كتابي هذا فألقها في النيل فلما قدم كتابه أخذ عمرو
البطاقة ففتحها فإذا فيها من عبدالله عمر عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر أما بعد
فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل
الله أن يجريك فألقى عمرو البطاقة في
النيل فأصبح يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة وقطع الله
تلك السنة عن أهل مصر إلى اليوم