@ قال الحافظ أبو
القاسم الطبراني حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا منجاب بن الحارث حدثنا
إبراهيم بن يوسف حدثنا زياد بن عبدالله عن ليث عن عبدالملك بن سعيد بن جبير عن
أبيه عن ابن عباس أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله خلق ولوما محفوظا من
درة بيضاء صفحاتها من ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه نور لله فيه في كل يوم ستون
وثلثمائة لحظة يخلق ويرزق ويميت ويحيي ويعز ويذل ويفعل ما يشاء وقال إسحاق بن بشر
أخبرني مقاتل وابن جريج عن مجاهد عن ابن عباس قال إن في صدر اللوح لا إله إلا الله
وحده دينه الإسلام ومحمد عبده ورسوله فمن آمن بالله وصدق بوعده واتبع رسله أدخله
الجنة قال واللوح المحفوظ لوح من درة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما
بين المشرق والمغرب وحافتاه الدر والياقوت ودفتاه ياقوتة حمراء وقلمه نور وكلامه
معقود بالعرش وأصلح في حجر ملك وقال أنس بن مالك وغيره من السلف اللوح المحفوظ في
جبهة إسرافيل وقال مقاتل هو عن يمين العرش
*2* ما ورد في خلق
السموات والأرض وما بينهما
@ قال الله تعالى (
الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم
يعدلون ) وقال تعالى ( خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ) في غير ما آية
من القرآن وقد اختلف المفسرون في مقدار هذه الستة الأيام على قولين فالجمهور على
أنها كأيامنا هذه وعن ابن عباس ومجاهد والضحاك وكعب الأحبار إن كل يوم منها كألف
سنة مما تعدون رواهن ابن جرير وابن أبي حاتم واختار هذا القول الإمام أحمد ابن
حنبل في كتابه الذي رد فيه على الجهمية وابن جرير وطائفة من المتأخرين والله أعلم
وسيأتي ما يدل على هذا القول وروى ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم وغيره أن أسماء
الأيام الستة أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت وحكى ابن جرير في أول الأيام ثلاثة
أقوال نروى عن محمد بن إسحاق أنه قال يقول أهل التوراة ابتدأ الله الخلق يوم الأحد
ويقول أهل الإنجيل ابتدأ الله الخلق يوم الإثنين ونقول نحن المسلمون فيما انتهى
إلينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدأ الله الخلق يوم السبت وهذا القول
الذي حكاه ابن إسحاق عن المسلمين مال إليه طائفة من الفقهاء من الشافعية وغيرهم وسيأتي
فيه حديث أبي هريرة خلق الله التربة يوم السبت والقول بأنه الأحد رواه ابن جرير عن
السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن جماعة من
الصحابة ورواه أيضا عن عبدالله بن سلام واختاره ابن جرير وهو نص التوراة ومال إليه
طائفة آخرون من الفقهاء وهو اشبه بلفظ الأحد ولهذا كمل الخلق في ستة أيام فكان
آخرهن الجمعة فاتخذه المسلمون عيدهم في الأسبوع وهو اليوم الذي أضل الله عنه أهل
الكتاب قبلنا كما سيأتي بيانه إن شاء الله وقال تعالى ( هو الذي خلق لكم ما في
الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم ) وقال تعالى
( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين
وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء
للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا
أتينا طائعين فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء
الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم ) فهذا يدل على أن الأرض خلقت قبل
السماء لأنها كالأساس للبناء كما قال تعالى ( الله الذي جعل لكم الأرض قرارا
والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب
العالمين ) قال تعالى ( ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا إلى أن قال وبنينا
فوقكم سبعا شدادا وجعلنا سراجا وهاجا ) وقال ( أولم ير الذين كفروا أن السموات
والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا
من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ) أي فصلنا ما بين
السماء والأرض حتى هبت الرياح ونزلت الأمطار وجرت العيون والأنهار وانتعش الحيوان
ثم قال وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون أي عما خلق فيها من
الكواكب الثوابت والسيارات والنجوم الزاهرات والأجرام النيرات وما في ذلك من
الدلالات على حكمة خالق الأرض والسموات كما قال تعالى ( وكأين من آية في السموات
والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) فأما
قوله تعالى ( أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج
ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم
ولأنعامكم ) فقد تمسك بعض الناس بهذه الآية على تقدم خلق السماء على خلق الأرض
فخالفوا صريح الآيتين المتقدمتين ولم يفهموا هذه الآية الكريمة فإن مقتضى هذه
الآية أن دحى الأرض وإخراج الماء والمرعى منها بالفعل بعد خلق السماء وقد كان ذلك
مقدرا فيها بالقوة كما قال تعالى ( وبارك فيها وقدر فيها أقواتها ) أي هيأ أماكن
الزرع ومواضع العيون والأنهار ثم لما أكمل خلق صورة العالم السفلي والعلوي دحى
الأرض فأخرج منها ما كان مودعا فيها فخرجت العيون وجرت الأنهار ونبت الزرع والثمار
ولهذا فسر الدحى بإخراج الماء والمرعى منها وإرساء الجبال فقال والأرض بعد ذلك
دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها وقوله ( والجبال أرساها ) أي قررها في أماكنها التي
وضعها فيها وثبتها وأكدها وأطدها وقوله ( والسماء بنيناها بايد وإنا لموسعون والأرض
فرشناها فنعم الماهدون ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) بايد أي بقوة وأنا
لموسعون وذلك أن كل ما علا اتسع فكل سماء أعلى من التي تحتها فهي أوسع منها ولهذا
كان الكرسي أعلى من السموات وهو أوسع منهن كلهن والعرش أعظم من ذلك كله بكثير
وقوله بعد هذا والأرض فرشناها أي بسطناها وجعلناها مهدا أي قارة ساكنة غير مضطربة
ولا مائدة بكم ولهذا قال ( فنعم الماهدون ) والواو لا تقتضي الترتيب في الوقوع
وإنما يقتضي الإخبار المطلق في اللغة والله أعلم