ولما كان أشرف الأجرام المشاهدة في السموات والأرض هي
الكواكب وأشرفهن منظرا وأشرفهن معتبرا الشمس والقمر استدل الخليل على بطلان آلهية
شيء منهن وذلك في قوله تعالى ( فلما جن الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال
لا أحب الآفلين ) أي للغائبين ( فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال
لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا
أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني برىء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات
والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ) فبين بطريق البرهان القطعي أن هذه الأجرام
المشاهدات من الكواكب والقمر والشمس لا يصلح شيء منها للالهية لأنها كلها مخلوقة
مربوية مدبرة مسخرة في سيرها لا تحيد عما خلقت له ولا تزيغ عنه إلا بتقدير متقن
محرر لا تضطرب ولا تختلف
وذلك دليل على كونها مربوبة مصنوعة مسخرة مقهورة ولهذا
قال تعالى ( ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر
واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون ) وثبت في الصحيحين في صلاة الكسوف من
حديث ابن عمر وابن عباس وعائشة وغيرهم من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال في خطبته يومئذ أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل وإنهما لا ينكسفان
لموت أحد ولا لحياته .
وقال البخاري في بدء الخلق حدثنا مسدد حدثنا عبدالعزيز
بن المختار حدثنا عبدالله الداناج حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال الشمس والقمر مكوران يوم القيامة انفرد به البخاري وقد رواه الحافظ
أبو بكر البزار بأبسط من هذا السياق فقال حدثنا إبراهيم بن زياد البغدادي حدثنا
يونس بن محمد حدثنا عبدالعزيز بن المختار عن عبدالله الداناج سمعت أبا سلمة بن
عبدالرحمن زمن خالد بن عبدالله القسري في هذا المسجد مسجد الكوفة وجاء الحسن فجلس
إليه فحدث قال حدثنا أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الشمس
والقمر ثوران في النار يوم القيامة فقال الحسن وما دينهما فقال أحدثك عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم وتقول وما دينهما ثم قال البزار لا يروى عن أبي هريرة إلا من
هذا الوجه ولم يرو عبدالله الداناج عن أبي سلمه سوى هذا الحديث وروى الحافظ أبو
يعلى الموصلي من طريق يزيد الرقاشي وهو ضعيف عن أنس قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم الشمس والقمر ثوران عقيران في النار وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد
الأشج وعمر بن عبدالله الأزدي حدثنا أبو أسامة
عن مجالد عن شيخ من بجيلة عن ابن عباس إذا الشمس كورت قال يكور الله الشمس والقمر
والنجوم يوم القيامة في البحر ويبعث الله ريحا دبورا فتضرمها نارا فدلت هذه الآثار
على أن الشمس والقمر من مخلوقات الله خلقها الله لما أراد ثم يفعل فيها ما يشاء
وله الحجة الدافعة والحكمة البالغة فلا يسأل عما يفعل لعلمه وحكمته وقدرته ومشيئته
النافذة وحكمه الذي لا يرد ولا يمانع ولا يغالب وما أحسن ما أورده الإمام محمد بن
إسحاق بن يسار في أول كتاب السيرة من الشعر لزيد بن عمرو
بن نفيل في خلق السماء والأرض والشمس والقمر وغير ذلك قال ابن هشام هي لأمية بن
أبي الصلت
إلى الله أهدي مدحتي وثنائيا * وقولا رضيا لا يني
الدهر باقيا
إلى الملك الأعلى الذي ليس فوقه * إله ولا رب يكون
مدانيا
ألا أيها الإنسان إياك والردى * فإنك لا تخفي من الله
خافيا
وإياك لا تجعل مع الله غيره * فإن سبيل الرشد أصبح
باديا
حنانيك إن الجن كانت رجاءهم * وأنت إلهي ربنا ورجائيا
رضيت بك اللهم ربا فلن أرى * أدين إلها غيرك الله
ثانيا
وأنت الذي من فضل من ورخمة * بعثت إلى موسى رسولا
مناديا
فقلت له إذهب وهرون فادعو * إلى الله فرعون الذي كان
طاغيا
وقولا له آأنت سويت هذه * بلا وتد حتى اطمأنت كما هيا
وقولا له آأنت رفعت هذه * بلا عمد ارفق إذا بك بانيا
وقولا له آأنت سويت وسطها * منيرا إذا ماجنه الليل
هاديا
وقولا له من يرسل الشمس غدوة * فيصبح ما مست من الأرض
ضاحيا
وقولا له من ينبت الحب في الثرى * فيصبح منه البقل
يهتز رابيا
ويخرج منه حبه في رؤسه * وفي ذاك آيات لمن كان واعيا
وأنت بفضل منك نجيت يونسا * وقد بات في أضعاف حوت
لياليا
وإني لو سبحت باسمك ربنا * لا كثر إلا ما غفرت خطائيا
فرب العباد ألق سيبا ورحمة * علي وبارك في بني وماليا
فإذا علم هذا فالكواكب التي في السماء من الثوابت
والسيارات الجميع مخلوقة خلقها الله تعالى كما قال ( وأوحى في كل سماء أمرها وزينا
السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم ).
وأما ما يذكره كثير من المفسرين في قصة هاروت ومروت من
أن الزهرة كانت امرأة فراوداها على نفسها فأبت إلا أن يعلماها الاسم الأعظم
فعلماها فقالته فرفعت كوكبا إلى السماء فهذا أظنه من وضع الإسرائيليين وإن كان قد
أخرجه كعب الأحبار وتلقاه عنه طائفة من السلف فذكروه على سبيل الحكاية والتحديث عن
بني إسرائيل وقد روى الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه في ذلك حديثا رواه أحمد عن
يحيى ابن بكير عن زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى
الله عليه وسلم وذكر القصة بطولها وفيه فمثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر
فجاءتهما فسألاها نفسها وذكر القصة وقد رواه عبدالرزاق في تفسيره عن الثوري عن
موسى بن عقبة عن سالم عن كعب الأحبار به وهذا أصح وأثبت وقد روى الحاكم في مستدركه
وابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس فذكره وقال فيه وفي ذلك الزمان امرأة حسنها
في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب وذكر تمامه وهذا أحسن لفظ روى في هذه القصة
والله أعلم
وهكذا الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار حدثنا
محمد بن عبدالملك الواسطي حدثنا يزيد بن هرون حدثنا مبشر بن عبيد عن يزيد بن أسلم
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وحدثنا عمرو
بن عيسى حدثنا عبدالأعلى حدثنا إبرهيم بن يزيد عن عمرو
بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر سهيلا فقال كان عشارا
ظلوما فمسخه الله شهابا ثم قال لم يروه عن زيد بن أسلم إلا مبشر بن عبيد وهو ضعيف
الحديث ولا عن عمرو بن دينار إلا
إبراهيم بن يزيد وهو لين الحديث وإنما ذكرناه على ما فيه من علة لأنا لم نحفظه إلا
من هذين الوجهين قلت أما مبشر بن عبيد القرشي فهو أبو حفص الحمصي وأصله من الكوفة
فقد ضعفه الجميع وقال فيه الإمام أحمد والدارقطني كان يضع الحديث ويكذب وأما
إبراهيم بن يزيد فهو الخوزي وهو ضعيف باتفاقهم قال فيه أحمد والنسائي متروك .
وقال ابن معين ليس بثقة وليس بشيء وقال البخاري
سكتوا عنه وقال أبو حاتم وأبو زرعة منكر الحديث ضعيف الحديث ومثل هذا الإسناد لا
يثبت به شيء بالكلية وإذا أحسنا الظن قلنا هذا من أخبار بني إسرائيل كما تقدم من
رواية بن عمر عن كعب الأحبار ويكون من خرافاتهم التي لا يعول عليها والله أعلم .